عمان– أعادت قصة العائلة الباكستانية التي توفي أفرادها في الثالث من كانون الثاني 2023، نتيجة حريق نشب بمنطقة غور المزرعة في خيمتين يقيمون فيهما بسبب تماس كهربائي، إلى الواجهة ظروف وبيئة عمل ومعيشة العمال الباكستانيون الذين يقيمون في منازل من الصفيح أو في خيم ويعملون في الزراعة، حيث يتضمنون أراضي زراعية يقيمون فيها ويعملون على مدار الموسم الزراعي.
وقال تقرير صدر عن تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان الثلاثاء 3 كانون الثاني 2023 أن الحريق بدأ الساعة 1:30 ليلا بعد منتصف الليل في الخيمتين -وهما تبعدان مسافة بسيطة عن الخيام التي يقيم فيها ذوو رب الأسرة وأشقاؤه-، حيث إنه لم يخرج من العائلة أي فرد حيٌّ يُرزَق.
وكشف التقرير الميداني لفريق “تمكين” إن المتوفين من مواليد الأردن رب الأسرة مواليد عام 1988 ويعمل في إحدى مزارع منطقة غور المزرعة وزوجته من مواليد 1990 وتعمل في مهنة الخياطة، وبناته 6 و7 و9 سنوات في الصفوف الأول والثاني والرابع الابتدائي.
وقال أحد أقارب المتوفين لتمكين أنه لم يستطع أحد من الجيران أو الأقارب مساعدتهم من شدة النيران واللهب، إضافة إلى إغلاق باب الخيمة من الداخل.
وتقسم الخيمة من الداخل وفقا للرصد الميداني أجراه تمكين إلى غرف عدة، سقفها وجدرانها من الكرتون المقوى والخشب، وغطائها الخارجي من قطع البلاستيك ما ساعد على اشتعال النار بشكل أسرع.
يجدر بالذكر أنه الثاني من كانون الأول 2019، توفي 13 فردا من أصل 16 فردا يسكنون جميعا في منزل أساسه من القطع الخشبية، وجدرانه بطول متر من ألواح الزينكو وألواح الورق المقوى، وسقفه من الكرتون، ومغطى بالبلاستيك، نتيجة حريق نجم عن التماس كهربائي بسبب عدم وجود معايير سلامة في التمديدات الكهربائية، في منطقة الكرامة في لواء الشونة الجنوبية.
وفقا للتقرير قدمت غالبية العائلات الباكستانية من بلوشستان والسند في جَنُوب باكستان، مطلع ستينيات القرن الماضي، استقر أجدادهم وآباؤهم في مناطق الأغوار الزراعية، فبعدما قضوا شعائرهم في رحلة الحج للديار المقدسة، جاؤوا لزيارة القدس والمسجد الأقصى لاستكمال شعائر حجتهم بما يعرف بـ “تقديس الحجة”، وتقديس الحجة عند الباكستانيين وغيرهم من المسلمين يعني زيارة المسجد الأقصى المبارك ثالث الحرمين الشريفين والصلاة فيه، بقصد البركة والأجر العظيم، محققين بذلك العبادة وزيارة الأماكن المقدسة الثلاثة مكة والمدينة والقدس، وازداد وجودهم في السبعينيات خاصة مع أن وقعت أول اتفاقية لتبادل القوى العاملة بين الأردن وباكستان في العام 1978، وبالتزامن مع إطلاق مشروع “الاخضرار الكبير” في الأردن، الذي وزعت ضمنه سلطة وادي الأردن أراض زراعية؛ مما خلق حاجة إلى عدد أكبر من المزارعين.
وقال التقرير إنه لا يوجد عدد واضح ومحدد لأعداد الباكستانيين إلا أنه وفقا لتعداد دائرة الإحصاءات العامة للعام 2015، يبلغ عددهم 7714، منهم 41% إناث، ومنهم من يقدر عددهم قرابة 20 ألف باكستاني، على شكل عائلات ممتدة فيها الأجداد والأبناء والأحفاد، منهم نحو 4 آلاف عامل حصلوا على تصاريح عمل في القطاع الزراعي، فيما تخمن سفارة باكستان أن عدد العاملين في الزراعة من الباكستانيين يتراوح بين 6,000 إلى 8,000 شخصاً من بينهم زوجات وأطفال وهم يمثلون الأغلبية العظمى للسكان الباكستانيين في المملكة وهم لا يكسبون الكثير من النشاط الزراعي وليسوا أغنياء ولكن لديهم عائلات كبيرة، أما وزارة العمل فقدرت عددهم بـ2887 عامل باكستاني حاصلين على تصاريح عمل خلال العام 2021.
وأشار التقرير أن غالبية العائلات الباكستانية تعمل في القطاع الزراعي في الأردن منذ ثلاث أجيال متعاقبة، حيث لم ير العديد من أفرادها باكستان وهم أقرب ثقافياً للأردن من بلادهم الأصلية، فالجيل الثاني والثالث ولدوا في الأردن، وبما أنهم عاشوا في الأردن حياتهم كلها فإنهم يتحدثون العربية بطلاقة وخصوصاً من كان لديهم فرصة الالتحاق بالمدرسة. ومع ذلك، فإن أحدهم لم يحصل على الجنسية الأردنية أو تصاريح إقامة طويلة الأجل، حيث إن القانون الأردني لا يسمح بذلك.
وأورد التقرير الصعوبات التي تواجه الباكستانيين في الأردن المتمثلة بعدم تمتعهم بالجنسية الأردنية الدائمة أو المؤقتة أو تصاريح إقامة طويلة الأجل، إلى جانب رسوم تصاريح العمل حيث يدفع العامل 520 دينارا رسوم إصدار تصاريح عمل زراعية، ورسوم فحص طبي، وبدل إقامات للأطفال والزوجة، يضاف لها قيمة إيجار الأراضي المستأجرة من الكفيل مالك الأرض، ومستلزمات الإنتاج الزراعي من بذور وأسمدة ومبيدات وتكاليف نقل للمزروعات، والنتيجة خسائر مالية متتالية بسبب تدني أسعار الخضار، أو تعرضها للتعلف.
ووفقا للعديد ممن قابلهم فريق تمكين تعتبر غرامات الإقامة هي التحدي الأبرز لمجتمع الباكستانيين في الأردن، حيث أشاروا أن سبب التأخر في تجديد الإقامات لا يتعلق دائمًا بعدم القدرة على دفع رسومها، لكن بتعثر تجديد تصريح العمل الذي يشترط وجود كفيل أردني يستصدره للعامل، تُمنح الإقامة بناءً عليه.
وبين التقرير أن العمال الباكستانيين العاملين في القطاع الزراعي يرتحلون من مكان إلى آخر بحثا عن عمل، إذ يرحلون لمناطق الرمثا والمفرق وغيرها صيفاً – من شهر نيسان حتى شهر تشرين الثاني- ليعودوا للأغوار شتاءً – من شهر كانون الأول حتى شهر آذار- للعمل ولأنه المكان الأكثر أمانا لأطفالهم وحماية لهم من الأمطار والبرد.
ويقيم العمال في المزارع بعد الاتفاق مع صاحب المزرعة على العمل بأجر يومي يُقدر غالبا بدينار أردني عن كل ساعة عمل، مقابل الإقامة بالمزرعة وتوفير الكهرباء، والمياه من خلال الآبار الخاصة بالمزرعة، في هذا السياق أشار بعضا من العمال إلى إلزامية العمل في المزارع لمن هم فوق 15 عاما من الذكور والإناث، ولا يسمح لهم بحرية اختيار العمل أو عدمه.
أما فيما يتعلق بتوفير أدوات الصحة والسلامة المهنية تبين أنها معدومة في غالبية الأحيان ولا تتوفر للعاملين بغض النظر عن طبيعة الأعمال التي يقومون بها، وفي حال وفرت تقتصر على “القفازات”، ويحصل عليها الرجال العاملين وليس النساء العاملات، لأن الثقافة السائدة أن أحقية الحصول على أدوات السلامة العامة للرجال وليس النساء خاصة عندما يكون عددها محدود ولا يكفي جميع العاملين.
وأكد التقرير على أن العمال الباكستانيبن يعيشون في خيام أو بيوت من الصفيح، ويستقرون في غور الأردن، ويتنقلون تبعاً للمواسم الزراعية، ولا يحق لهم البناء في الأراضي الزراعية، كذلك فإن منازلهم غير مهيئة للسكن وتفتقر لمقومات السلامة العامة حيث يطهون الطعام على مواقد ويستخدمون الحطب، مع غياب للمرافق الصحية، والمياة الصالحة للشرب في غالبية الأحيان، رغم أنهم يتضمون الأراضي الزراعية ويعملون فيها، إلا أن ذلك الأمر لم يساعدهم في بناء منازل لائقة.
وتفتقر غالبية المساكن للنوافذ والتهوية، والإضاءة المناسية، كذلك تفتقر في بنائها لمعايير السلامة مما قد يعرض سكانها لخطر الإصابات أو الأمراض التنفسية، أو تعرضهم لقرص الحشرات، وتفتقر كذلك غالبية المساكن لخدمات الصرف الصحي الأساسية بما في ذلك المراحيض.
وفيما يتعلق بالتعليم أوضح التقرير أن هنالك إشكالية بقدرتهم على استكمال تعليمهم المدرسي أو الجامعي، خاصة أن الأسس الصادرة عن وزارة التربية والتعليم تمنع التحاق أبناء الجاليات الأجنبية (غير العربية)، بالمدارس الحكومية، وتسمح لهم بالتسجيل فقط في المدارس الخاصة، وبسبب التكلفة المالية المرتفعة لاستكمال التعليم لا يلتحقون به لا بالمدارس ولا حتى الجامعات، إلا أن بعض مدراء المدارس الحكومية، وتحديداً في المناطق التي تتواجد فيها العمالة الباكستانية ديلا علا تحديدا يتغاضون عن تطبيق هذا البند “مراعاة للحالة الإنسانية” ولعدم توفر مدارس خاصة، لكن ذلك لا يمنع أن الغالبية العظمى منهم غير متعلمين، إذ لا يبقى الأطفال في المدرسة أكثر من أربع أو خمس سنوات، يخرجون بعدها للعمل في المزارع مع ذويهم. والأمر لا يتعلق فقط بالكلفة المادية لوضع ستة أو سبع أطفال في المدرسة، فهناك أيضًا، حقيقة أن الأطفال في المدرسة هم أيدي عاملة يمكن استخدامها في المزارع.
أما الحق في الصحة فلا يتوفر التأمين الصحي للعائلات الباكستانية في الأردن، ما يحملهم فواتير علاجية بمبالغطائلة داخل المستشفيات الحكومية، هذا إن كانوا قادرين أصلاً على تلقي العلاج، ففي حال إصابتهم بالمرض يلجأون للعيادات الخاصة والصيدليات للحصول على أدوية فرغم الكلفة المرتفعة عليهم إلا أنها تبقى أقل تكلفة من المستشفيات.
العمال الباكستانيون: غياب التعليم.. ومساكن غير آمنة
تم النشر في: ٤ يناير ٢٠٢٣
Share